Monday, July 4, 2011

الخطاط العراقى الشهير

جاسم النجفي خطاط العراق الأول





كان المعلم يضربني على رأسي بالعصا لرداءة خطي

حوار: حسن الجراح

ـــــــــــــــــــــــــــــ

مدينة النجف الأشرف ثرية بعطائها المتنوع في مجال الأدب والفلسفة والدين والحكمة والسياسة، ولم تخل حركتها الفنية من منافسة لبقية المجالات الأخرى حتى أنجبت خطاط العراق الأول جاسم النجفي الذي أودع الحرف العربي حياة سرمدية من خلال خطوطه التي تخلدها مآذن وقباب ومساجد النجف و كربلاء والحلة والموصل وغيرها من المدن العراقية، بل حتى وصلت إلى مساجد مسلمي بريطانيا وغيرها من البلدان.

ولد جاسم حمود حسين العكايشي في مدينة النجف الأشرف عام 1950 في محلة العمارة إحدى محلات النجف الأربع الشهيرة، والتي كانت محط رحال العلماء ومنتدى فضلاء وطلبة النجف.

في هذه البيئة المتميزة بطابعها الديني وكثرة مراكزها العلمية التي تزينت جدرانها وأروقتها بالقاشاني المخطوطة بالآيات القرآنية والمحلاة بزخزفة نباتية وحيوانية، نشأ الخطاط النجفي وتشرب روحانيتها، بالإضافة إلى تأثره بنفائس الخطوط المودعة بضريح الإمام علي بن أبي طالب (ع). فنشا خطاط العراق الأول وهو يودَع في باطنه كنوزا من التراث الفني الإسلامي.

من العصا إلى القصبة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

من غرائب ما تحدث به النجفي انه كان في مرحلة الدراسة الابتدائية يعاني من رداءة خطه، وكثيرا ما كان معلم الصف الأول يضربه على رأسه بالعصا بسبب كتابته المائلة عن السطور. وأذكت هذه الضربات نار الكرامة لديه لينكب على ممارسة الكتابة والخط ليصبح في مرحلة السادس الابتدائي خطاط المدرسة بلا منازع.

وعن أبرز الشخصيات التي تأثر بها وغدت مثله الأعلى في أسلوب الخط، قال النجفي:" الأستاذ المرحوم هاشم البغدادي الذي مافتئت أن قرأت كراسه التعليمي للخط الذي كان يوزع في دور التعليم العالي في السبعينات حتى تأثرت به أيما تأثر، ومما يعاب علي أنني أقلد أسلوب الكتابة والخط لدى البغدادي وفي ذلك شرف عظيم لي".

ويعتز النجفي بأولى آثاره المحفوظة في مدينة النجف حين اشترك في مسابقة لكتابة كلمة (ثورة العشرين) بمساحة مترين في متر، وفاز في تلك المسابقة، وعن تلك المشاركة يقول: "تم اعتماد خطي بالأسلوب الكوفي على نصب ساحة ثورة العشرين التي تم تهديمها مؤخرا لإقامة جسور ومشاريع إنشائية حديثة مكانها".

ويتابع النجفي: "إن من أعظم معارضي الدائمة مئذنة ضريح الإمام الحسين (ع) في كربلاء التي أنجزت قبل فترة وجيزة، وسيتم العمل في المئذنة الثانية في المستقبل القريب. وهناك خطوطي في ضريح الإمام علي (ع) من الداخل، وفي ضريح مسلم بن عقيل في الكوفة، وفي ضريح الصحابي ميثم التمار. وكذلك خطوطي في مسجد الهندي العريق في محلة الحويش".

وعن نوادر خطه، قال النجفي "كانت لوحة مؤلفة من أربعة اسطر لا ترى بالعين المجردة، حيث لا تتعدى مساحتها 4 ملم".

ويستطرد قائلا: "ذات مرة لم يكن لي من بد في المشاركة في معرض ببغداد، وكانت مشاركتي فريدة من نوعها، حيث أخذت مصوغات زوجتي التي ساندتني كثيرا وحولتها إلى تحفة فنية خطية، وحينما قدمت للمشاركة سألني مسؤول المعرض، وقد رآني خالي الوفاض بم ستشارك فأدخلت يدي في جيبي وأخرجت له حليا ذهبية مصوغة على شكل كتابات، فما كان منها إلا أن تفوز، وأصبحت جواز سفري إلى تركيا".

تركيا بلد الخطاطين

ـــــــــــــــــــــــــــ

يعتبر النجفي تركيا "بلد الخط الأول"، ويفسر ذلك بالقول: "اهتمت تركيا بالخط والخطاطين بسبب كونها مهد الدولة العثمانية، وتصدرت المرحلة الأولى في إنتاج فحول الخطاطين مثل المرحوم حامد الآمدي ومحمد أوزجاي وعثمان أوزجاي وداوود بكتاش".

ولا يعير النجفي اهتماما بإجازات الخط من غيره من الخطاطين الكبار معتبرا أن ذلك لا قيمة له الآن لأن الخطاط يجيز نفسه ببراعة أسلوبه، ولكن رغم ذلك حصل من الآمدي على إجازة يمكن القول إنها شفوية، فحينما توفي خطاط العراق الكبير هاشم البغدادي عام 1973، قال الآمدي: "عندما توفي هاشم حزنت عليه وعلى مستقبل الخط في العراق، ولكنني بعدما رأيت خطوط ولدي جاسم بهذا المستوى ذهب حزني".

يذكر أن مراسلات كانت متواصلة بين النجفي والمرحوم البغدادي منذ 1969، وتوجد نماذج منها محفوظة لدى المهتمين بشؤون هاشم البغدادي.

وفيما إذا كان النجفي يستخدم أشياء خاصة يميز به لوحاته وأعماله مثل نوعية الورق والأقلام والأحبار، قال النجفي: "كل هذا لا يميز الخطاط لأن الخطاط الجيد هو الذي يخلق من التراب لوحة، ومن التبر لوحة. وقد فعلت ذلك حينما حولت الذهب إلى لوحة فنية، كما استخدمت التراب مرة لأخط لوحة تميزت وبيعت بأثمان باهظة، وقد قيل سابقا الخط العربي أينما ظهر بهر، وعلى العموم لازلت استخدم تقنيات قديمة موروثة مثل أن يكون مداد الكتابة من سخام وهباب النفط".

ويضيف موضحا: "كنا في السابق نعمل خلطة معينة نخط بها لوحاتنا، حيث كنا نعمد إلى حرق النفط في صفائح خاصة ونجمع الهباب ونغليه في الماء ونضع عليه الصمغ العربي وشيئا من العسل، وثم نضعه في قوارير صغيرة نستخدمها وقت الخط، وكانت هذه الأحبار حينما تجف لا تتأثر بالماء، أما يراع الخط فكان ولا زال هو القصب ونوع محدد من الأخشاب لا ينشر على الورق إذ له القدرة على امتصاص الأحبار، و لكن هناك اليوم تقنيات عالية في الأحبار والأقلام والأوراق".

ويمضي في القول: "كنا نستخدم الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء والصفراء في الكاتبة معتمدين على مادة الجوهر المستخدمة في صباغة الملابس".

سفير الخط العربي

ــــــــــــــــــــــــــ

عاصر النجفي جملة من خطاطي العالم المشهورين منهم خطاط كربلاء الأول الأستاذ محمد علي داعي الحق، الذي كتب قصيدة طويلة في حقه مادحا إحدى لوحاته مطلعها:

ذي لوحة العجب خطت بلا قصب

وله اتصالات وثيقة مع خطاطي مصر والكويت وتركيا والمهتمين بالخط أمثال الياباني كوتشي هوندا مدير معهد متخصص في الخط واللغة العربية في اليابان، وخبير الخطوط الصينية واللاتينية والعربية لي ين يان. ومن خطاطي العرب المصري محمد غني البوكاتو وهو من تلامذة حامد الآمدي.

يعتبر النجفي الخط كائنا حيا يتجدد ولا يجمد على صيغة واحدة، وفيه مجال واسع للإبداع، وقد ميز تجربته الإبداعية بأن أدخل التشكيل في الخط، وبذلك يعد أول من خاض هذه التجربة.

لقد بات النجفي بعد مشواره الطويل في ممارسة الخط العربي سفيرا له أينما حل، ويسجل له أنه غزا الخطاطين الإيرانيين في عقر دارهم وفاق أرباب خط التعليق أو الخط الفارسي حينما قدم خطوطه في إيران. بل وانتقد أرباب الحرفة، فكان لا يخلو من ملاحظة تثير إعجاب كبار خطاطي إيران.

من مشاريع النجفي التي يفكر في إنجازها خط نسخة من القرآن الكريم موافقة للقراءات والتشكيلات القرآنية، فهو يرى أن الأتراك والإيرانيين هم من يحتكرون كتابة القرآن، وحينما استفسر عن نسخة الأوقاف من القرآن التي كان هاشم الخطاط البغدادي مشرفا عليها، قال: "نعم هاشم مشرف وليس خاطا لها".

comments: 0

Post a Comment

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Blogger Templates | تعريب وتطوير : مدونة سامكو